الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين **
(223) وسئل فضيلته -حفظه الله - : هل يعذر طلبة العلم الذين درسوا العقيدة على غير مذهب السلف الصالح -رضي الله عنهم -محتجين بأن العالم الفلاني أو الإمام الفلاني يعتقد هذه العقيدة؟ فأجاب بقوله : هذا لا يعذر به صاحبه حيث بلغه الحق ، لأن الواجب عليه أن يتبع الحق أينما كان ، وأن يبحث عنه حتى يتبين له. والحق -ولله الحمد-ناصع ، بين لمن صلحت نيته ، وحسن منهاجه ، فإن الله -عز وجل - يقول في كتابه: (224) سئل فضيلة الشيخ: عن العذر بالجهل فيما يتعلق بالعقيدة؟ فأجاب بقوله : الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية، وربما يكون اختلافاً لفظياً في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين أي إن الجميع يتفقون على أن هذا القول كفر ، أو هذا الفعل كفر ، أو هذا الترك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضي في حقه وانتفاء المانع أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات ، أو وجود بعض الموانع . وذلك أن الجهل بالمكفر على نوعين: الأول : أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام أو لا يدين بشيء ولم يكن يخطر بباله أن ديناً يخالف ما هو عليه فهذا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا ، وأما في الآخرة فأمره إلى الله -تعالى-، والقول الراجح أنه يمتحن في الآخرة بما يشاء الله عز وجل - والله أعلم بما كانوا عاملين ، لكننا نعلم أنه لن يدخل النار إلا بذنب لقوله -تعالى- : وإنما قلنا : تجرى عليه أحكام الظاهر في الدنيا وهي أحكام الكفر؛ لأنه لا يدين بالإسلام فلا يمكن أن يعطي حكمه ، وإنما قلنا بأن الراجح أنه يمتحن في الآخرة لأنه جاء في ذلك آثار كثيرة ذكرها ابن القيم -رحمه الله تعالى -في كتابه-: "طريق الهجرتين" عند كلامه على المذهب الثامن في أطفال المشركين تحت الكلام على الطبقة الرابعة عشرة. النوع الثاني: أن يكون من شخص يدين بالإسلام ولكنه عاش على هذا المكفر ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام ، ولا نبهه أحد على ذلك فهذا تجرى عليه أحكام الإسلام ظاهراً ، أما في الآخرة فأمره إلى الله-عز وجل-وقد دل على ذلك الكتاب ، والسنة ، وأقوال أهل العلم. فمن أدلة الكتاب: قوله-تعالى-: وأما كلام أهل العلم : فقال في المغني 8/ :131 "فإن كان ممن لا يعرف الوجوب كحديث الإسلام ، والناشئ بغير دار الإسلام ، أو بادية بعيدة عن الأمصار وأهل العلم لم يحكم بكفره". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 3/ 229 مجموع ابن قاسم : "إني دائماً -ومن جالسني يعلم ذلك مني -من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير ، وتفسيق ، ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة ، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى ، وإني أقرر أن الله -تعالى -قد غفر لهذه الأمة خطأها ، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية ، والمسائل العملية ، وما زال السلف يتنازعون في كثير من المسائل ، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ، ولا بفسق ، ولا بمعصية - إلى أن قال -وكنت أبين أن ما نقل عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضاً حق لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين - إلى أن قال : - والتكفير هو من الوعيد فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، لكن الرجل قد يكون حديث عهد بإسلام ، أو نشأ ببادية بعيدة ، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو سمعها ولم تثبت عنده ، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً" أ . هـ . وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب 1/56 من الدرر السنية: "وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول ، ثم بعدما عرفه سبه ، ونهى الناس عنه ، وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفره" . وفي ص 66 " وأما الكذب والبهتان فقولهم : إنا نكفر بالعموم ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه ، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله ، وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر ، والصنم الذي على أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم ،فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل" ا . هـ . وإذا كان هذا مقتضى نصوص الكتاب ، والسنة ، وكلام أهل العلم فهو مقتضى حكمة الله -تعالى -، ولطفه، ورأفته، فلن يعذب أحداً حتى يعذر إليه ، والعقول لا تستقل بمعرفة ما يجب لله -تعالى - من الحقوق ، ولو كانت تستقل بذلك لم تتوقف الحجة على إرسال الرسل. فالأصل فيمن ينتسب للإسلام بقاء إسلامه حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي، ولا يجوز التساهل في تكفيره لأن في ذلك محذورين عظيمين: أحدهما: افتراء الكذب على الله-تعالى - في الحكم ، وعلى المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به. أما الأول فواضح حيث حكم بالكفر على من لم يكفره الله -تعالى-فهو كمن حرم ما أحل الله؛ لأن الحكم بالتكفير أو عدمه إلى الله وحده كالحكم بالتحريم أو عدمه. وأما الثاني فلأنه وصف المسلم بوصف مضاد ، فقال: إنه كافر، مع أنه بريء من ذلك ، وحري به أن يعود وصف الكفر عليه لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال: وهذا هو المحذور الثاني أعني عود وصف الكفر عليه إن كان أخوه بريئاً منه ، وهو محذور عظيم يوشك أن يقع به ؛ لأن الغالب أن من تسرع بوصف المسلم بالكفر كان معجباً بعمله محتقراً لغيره فيكون جامعاً بين الإعجاب بعمله الذي قد يؤدي إلى حبوطه ، وبين الكبر الموجب لعذاب الله تعالى - في النار كما جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة -رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فالواجب قبل الحكم بالتكفير أن ينظر في أمرين: الأمر الأول: دلالة الكتاب ، والسنة على أن هذا مكفر لئلا يفتري على الله الكذب. الأمر الثاني: انطباق الحكم على الشخص المعين بحيث تتم شروط التكفير في حقه ، وتنتفي الموانع. ومن أهم الشروط أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت كفره لقوله - تعالى- : ولكن هل يشترط أن يكون عالماً بما يترتب على مخالفته من كفر أو غيره أو يكفي أن يكون عالماً بالمخالفة وإن كان جاهلاً بما يترتب عليها؟ الجواب: الظاهر الثاني ؛ أي إن مجرد علمه بالمخالفة كاف في الحكم بما تقتضيه لأن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أوجب الكفارة على المجامع في نهار رمضان لعلمه بالمخالفة مع جهله بالكفارة ؛ ولأن الزاني المحصن العالم بتحريم الزنى يرجم وإن كان جاهلاً بما يترتب على زناه ، وربما لو كان عالماً ما زنى . ومن الموانع أن يكره على المكفر لقوله - تعالى- : ومن الموانع أن يغلق عليه فكره وقصده بحيث لا يدري ما يقول لشدة فرح ، أو حزن ، أو غضب ، أو خوف ، ونحو ذلك . لقوله تعالى -: ومن الموانع أيضاً أن يكون له شبهة تأويل في المكفر بحيث يظن أنه على حق ؛ لأن هذا لم يتعمد الإثم والمخالفة فيكون داخلاً في قوله - تعالى -: والحاصل أن الجاهل معذور بما يقوله أو يفعله مما يكون كفراً ، كما يكون معذوراً بما يقوله أو يفعله مما يكون فسقاً ، وذلك بالأدلة من الكتاب والسنة ، والاعتبار ، وأقوال أهل العلم. (225) وسئل فضيلته : هل يعذر الجاهل بما يترتب على المخالفة؟ كمن يجهل أن ترك الصلاة كفر؟ فأجاب بقوله : الجاهل بما يترتب على المخالفة غير معذور إذا كان عالماً بأن فعله مخالف للشرع كما تقدم دليله ، وبناء على ذلك فإن تارك الصلاة لا يخفى عليه أنه واقع في المخالفة إذا كان ناشئاً بين المسلمين فيكون كافراً وإن جهل أن الترك كفر . نعم إذا كان ناشئاً في بلاد لا يرون كفر تارك الصلاة وكان هذا الرأي هو الرأي المشهور السائد بينهم ، فإنه لا يكفر لتقليده لأهل العلم في بلده ، كما لا يأثم بفعل محرم يرى علماء بلده أنه غير محرم لأن فرض العامي التقليد لقوله-تعالى-:
(226) سئل فضيلة الشيخ : ما العمل إذا أكره إنسان على الكفر؟ فأجاب بقوله : إذا أكره إنسان على الكفر ففي ذلك تفصيل : أولاً : أن يوافق ظاهراً وباطناً فيكون بذلك كافراً مرتداً لقوله -تعالى-: ثانياً :أن يوافق ظاهراً لا باطناً ولكن يقصد التخلص من الإكراه فهذا لا يكفر لقوله -تعالى- : ثالثاً : أن لا يوافق لا ظاهراً ولا باطناً ويصبر على القتل فهذا جائز وهو من الصبر. لكن هل الأولى أن يصبر أولا ؟ فيه تفصيل : أولاً : إذا كان الإكراه لا يترتب عليه ضرر في الدين للعامة فإن الأولى أن يوافق ظاهراً لا باطناً ، لا سيما إذا كان بقاؤه فيه مصلحة للمسلمين كصاحب المال ، أو العلم المنتفع بهما ، وما أشبه ذلك ، حتى وإن لم يكن فيه مصلحة ففي بقائه على الإسلام زيادة عمل صالح وهو خير، وقد رخص له بالكفر ظاهراً. ثانياً : إذا كان في موافقته وعدم صبره ضرر على الدين فإنه يصبر ، وقد يجب الصبر ولو قتل ، لأنه من باب الصبر على الجهاد في سبيل الله، وليس من باب إبقاء النفس ، ولهذا لما شكا الصحابة للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، ما يجدونه من مضايقة المشركين ذكر لهم أنه كان فيمن قبلنا من يمشط بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم أو عصب ما يصرفه عن دينه. ولو حصل من الصحابة -رضي الله عنهم- في ذلك الوقت موافقة للمشركين وهم قلة لحصل بذلك ضرر عظيم على المسلمين. والإمام أحمد-رحمه الله-أوذي وصبر حين أبى أن يقول : القرآن مخلوق ولو وافقهم ظاهراً لحصل في ذلك مضرة على الإسلام. (227) وسئل -حفظه الله -: عن حكم من حكم بغير ما أنزل الله؟ فأجاب قائلاً : أقول وبالله-تعالى- أقول وأسأله الهداية والصواب : إن الحكم بما أنزل الله - تعالىـ من توحيد الربوبية ؛ لأنه تنفيذ لحكم الله الذي هو مقتضى ربوبيته ، وكمال ملكه وتصرفه ، ولهذا سمى الله-تعالى-المتبوعين في غير ما أنزل الله -تعالى-أرباباً لمتبعيهم فقال-سبحانه-: وقد قال عدي بن حاتم لرسول الله صلى الله عليه وسلم . : إنهم لم يعبدوهم فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : إذا فهمت ذلك فاعلم أن من لم يحكم بما أنزل الله ، وأراد أن يكون التحاكم إلى غير الله ورسوله وردت فيه آيات بنفي الإيمان عنه ، وآيات بكفره وظلمه ، وفسقه. فأما القسم الأول: فوصف الله - تعالى - هؤلاء المدعين للإيمان وهم منافقون بصفات: الأولى : أنهم يريدون أن يكون التحاكم إلى الطاغوت ، وهو كل ما خالف حكم الله -تعالى - ورسوله ، صلى الله عليه وسلم ، لأن ما خالف حكم الله ورسوله فهو طغيان واعتداء على حكم من له الحكم وإليه يرجع الأمر كله وهو الله قال الله -تعالى - : الثانية: أنهم إذا دُعُوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول صدوا وأعرضوا. الثالثة: أنهم إذا أصيبوا بمصيبة بما قدمت أيديهم ، ومنها أن يعثر على صنيعهم جاؤوا يحلفون أنهم ما أرادوا إلا الإحسان والتوفيق كحال من يرفض اليوم أحكام الإسلام ويحكم بالقوانين المخالفة لها زعماً منه أن ذلك هو الإحسان الموافق لأحوال العصر. ثم حذر -سبحانه- هؤلاء المدعين للإيمان المتصفين بتلك الصفات بأنه-سبحانه- يعلم ما في قلوبهم وما يكنونه من أمور تخالف ما يقولون ، وأمر نبيه أن يعظهم ويقول لهم في أنفسهم قولاً بليغاً ، ثم بين أن الحكمة من إرسال الرسول أن يكون هو المطاع المتبوع لا غيره من الناس مهما قويت أفكارهم واتسعت مداركهم، ثم أقسم - تعالى - بربوبيته لرسوله التي هي أخص أنواع الربوبية والتي تتضمن الإشارة إلى صحة رسالته ، صلى الله عليه وسلم، أقسم بها قسماً مؤكداً أنه لا يصلح الإيمان إلا بثلاثة أمور: الأول: أن يكون التحاكم في كل نزاع إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم. الثاني: أن تنشرح الصدور بحكمه ولا يكون في النفوس حرج وضيق منه. الثالث : أن يحصل التسليم التام بقبول ما حكم به وتنفيذه بدون توان أو انحراف. وأما القسم الثاني: فمثل قوله -تعالى- : فنقول : من لم يحكم بما أنزل الله استخفافاً به، أو احتقاراً له ، أو اعتقاداً أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق فهو كافر كفراً مخرجاً عن الملة ، ومن هؤلاء من يضعون للناس تشريعات تخالف التشريعات الإسلامية لتكون منهاجاً يسير الناس عليه، فإنهم لم يضعوا تلك التشريعات المخالفة للشريعة الإسلامية إلا وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق ، إذ من المعلوم بالضرورة العقلية ، والجبلة الفطرية أن الإنسان لا يعدل عن منهاج إلى منهاج يخالفه إلا وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه. (( ومن لم يحكم بما أنزل الله وهو لم يستخف به، ولم يحتقره، ولم يعتقد أن غيره أصلح منه، وأنفع للخلق ، وإنما حكم بغيره تسلطاً على المحكوم عليه، أو انتقاماً منه لنفسه أو نحو ذلك ، فهذا ظالم وليس بكافر وتختلف مراتب ظلمه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم. ومن لم يحكم بما أنزل الله لا استخفافاً بحكم الله ، ولا احتقاراً ، ولا اعتقاداً أن غيره أصلح ، وأنفع للخلق ، وإنما حكم بغيره محاباة للمحكوم له، أو مراعاة لرشوة أو غيرها من عرض الدنيا فهذا فاسق ، وليس بكافر ، وتختلف مراتب فسقه بحسب المحكوم به ووسائل الحكم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-فيمن اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله : إنهم على وجهين: أحدهما : أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل ويعتقدون تحليل ما حرم ، وتحريم ما أحل الله اتباعاً لرؤسائهم مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل فهذا كفر ، وقد جعله الله ورسوله شركاً. الثاني:أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحليل الحرام وتحريم الحلال - كذا العبارة المنقولة عنه - ثابتاً لكنهم أطاعوهم في معصية الله كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاصٍ فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب . (228) وسئل: هل هناك فرق في المسألة المعينة التي يحكم فيها القاضي بغير ما أنزل الله وبين المسائل التي تعتبر تشريعاً عامًّا؟ فأجاب بقوله : نعم هناك فرق فإن المسائل التي تعتبر تشريعاً عاماً لا يتأتى فيها التقسيم السابق وإنما هي من القسم الأول فقط ، لأن هذا المشرع تشريعاً يخالف الإسلام إنما شرعه لاعتقاده أنه أصلح من الإسلام وأنفع للعباد كما سبقت الإشارة إليه. والحكم بغير ما أنزل الله ينقسم إلى قسمين : أحدهما: أن يستبدل هذا الحكم بحكم الله -تعالى - بحيث يكون عالماً بحكم الله، ولكنه يرى أن الحكم المخالف له أولى وأنفع للعباد من حكم الله ، أو أنه مساو لحكم الله ، أو أن العدول عن حكم الله إليه جائز فيجعله القانون الذي يجب التحاكم إليه فمثل هذا كافر كفراً مخرجاً عن الملة لأن فاعله لم يرض بالله رباً ولا بمحمد رسولاً ولا بالإسلام ديناً وعليه ينطبق قوله - تعالى-: وقوله -تعالى-: الثاني: أن يستبدل بحكم الله - تعالى - حكماً مخالفاً له في قضية معينة دون أن يجعل ذلك قانوناً يجب التحاكم إليه فله ثلاث حالات : الأولى: أن يفعل ذلك عالماً بحكم الله-تعالى - معتقداً أن ما خالفه أولى منه وأنفع للعباد ، أو أنه مساو له ، أو أن العدول عن حكم الله إليه جائز فهذا كافر كفراً مخرجاً عن الملة لما سبق في القسم الأول. الثانية : أن يفعل ذلك عالماً بحكم الله معتقداً أنه أولى وأنفع لكن خالفه بقصد الإضرار بالمحكوم عليه أو نفع المحكوم له ، فهذا ظالم وليس بكافر وعليه يتنزل قول الله - تعالى- : الثالثة : أن يكون كذلك لكن خالفه لهوى في نفسه أو مصلحة تعود إليه فهذا فاسق وليس بكافر وعليه يتنزل قول الله تعالى -: {ومن لم يحكم بما أنزل فأولئك هم الفاسقون} وهذه المسألة أعني مسألة الحكم بغير ما أنزل الله من المسائل الكبرى التي ابتلي بها حكام هذا الزمان فعلى المرء أن لا يتسرع في الحكم عليهم بما لا يستحقونه حتى يتبين له الحق لأن المسألة خطيرة -نسأل الله-تعالى-أن يصلح للمسلمين ولاة أمورهم وبطانتهم -كما أن على المرء الذي آتاه الله العلم أن يبينه لهؤلاء الحكام لتقوم الحجة عليهم وتبين المحجة ، فيهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حي عن بينة ، ولا يحقرن نفسه عن بيانه ، ولا يهابن أحداً فيه فإن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين. والله ولي التوفيق .
|